الجمل لا يرى سنامه

المصدر/محمد.ق

يقول المثل العربي الشهير "الجمل لا يرى سنامه، لكنه ينشغل بالنظر إلى أسنمة الجمال الأخرى".. وهو ما ينطبق تماما على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تجاهل كل عيوب بلاده، الداخلية منها والخارجية، وراح يتجرأ على الجزائر ويدعي بأنها "أهانت" نفسها بعدم إفراجها عن الخائن بوعلام صنصال بحجة أنه عليل في حاجة إلى علاج.

وأدلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بتصريحات "مشمئزة" راح يتباكى فيها خوفا من مستقبل العلاقات بين الجزائر وباريس، فيما بدا تعبيرا عن عدم رضاهما على قرار السلطات الجزائرية السيادي، الرافض لأي مساومة في قضية الكاتب الفرنسي، بوعلام صنصال، الموجود قيد الإيقاف في انتظار محاكمته بسبب تهم تتعلق بإضراره بالوحدة الترابية للجزائر.

وخلال لقاء جمعه بسفراء بلاده، أقحم ماكرون نفسه في قضية حساسة وهي قضية صنصال، قائلا: “الجزائر التي نحبها كثيرا والتي نتشارك معها الكثير من الأطفال والكثير من القصص، تدخل في قصة لا تشرفها”، زاعما بأن الجزائر “تمنع رجلا يعاني من مرض خطير من الحصول على العلاج”، كما جدد دعوته لإطلاق سراح صنصال، في تدخل سافر في شؤون القضاء الجزائري.

ويتعجب المتابعون للملف، من أي منطق يدعو الرئيس الفرنسي السلطة التنفيذية في ‎الجزائر إلى التدخل في عمل القضاء رغم أن بلاده كثيرا ما سمحت لنفسها بإعطاء دروس للبلدان النامية بخصوص ضرورة تكريس استقلالية السلطة القضائية.

ويبدو أن ماكرون قد "تناسى" بأن بلاده التي تتبجح بكونها مهد إعلان حقوق الإنسان تحتجز لأكثر من أربعين سنة أقدم معتقل سياسي في أوروبا في شخص المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله المسجون ظلما وبهتانا بسبب مواقفه المساندة للقضية الفلسطينية، حيث لم يشفع له لا تقدمه في السن ولا حالته الصحية بالرغم من أنه يستوفي كافة شروط الإفراج منذ سنة 1999.

والكل يعلم في فرنسا وخارجها بأن محاكمة جورج عبد الله ومواصلة سجنه إلى غاية اليوم تأتي استجابة لضغوط قوى أجنبية. فحتى إيف بونيه، الذي كان مسؤول المصالح الأمنية الفرنسية وقت اعتقال المناضل اللبناني أصبح يطالب بإطلاق سراحه ويصف استمرار احتجازه بأنه "انتقام دولة.

وفي رده على تصريحات ماكرون، اعتبر الأفلان أن تلك التصريحات هي "محاولة بائسة من أجل تشويه صورة الجزائر ومؤسساتها السيادية، في خطوة استفزازية جديدة تؤكد فضاعة التكالب ضد كل ما هو جزائري، من أطراف تزعجها الطفرة التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة في مختلف المجالات سواء سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا".

وعبر حزب جبهة التحرير الوطني عن استهجانه الشديد، لهذه التصرفات التي وصفها بغير المقبولة وغير السوية، ما يؤكد حالة التيهان التي يعيشها صناع القرار بفرنسا بسبب ما تعيشه من أزمات سياسية واقتصادية عميقة.

ويؤكد متابعون للملف، أن المسؤولون في فرنسا يسعون جاهدين إلى تصدير مشاكلهم الداخلية إلى قارة افريقيا، في محاولة لخلق "عدو وهمي" يخفف عنه الضغط الداخلي وتوجيه الوعي الجمعي في فرنسا. 

ففي ظل تصاعد الأزمات في فرنسا يواجه ماكرون تحديات غير مسبوقة تهدد شرعيته وفي محاولة منه لتخفيف الضغط الداخلي، لجأ إلى استراتيجية تقليدية تتمثل في توجيه الوعي الجمعي الفرنسي نحو عدو خارجي، مع التركيز على الجاليات الجزائرية والمغاربية والإفريقية في فرنسا تارة ومهاجمة دول افريقية تارة اخرى، وهو ما يتجلى في تصريحات ماكرون بذات المناسبة حول دول افريقيا التي قال إن بلاده كانت "محقة في تدخلها عسكريا في منطقة الساحل ضد الإرهاب منذ عام 2013، لكن القادة الأفارقة نسوا أن يقولوا شكرا لفرنسا على هذا الدعم".

وأضاف أنه لولا هذا التدخل العسكري الفرنسي "لما كان لأي من هؤلاء القادة الأفارقة أن يحكم اليوم دولة ذات سيادة".

حيث قوبلت هذه التصريحات بردود قوية من التشاد والسنغال، وأثارت استنكارا شديدا، ففي بيان أصدره وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن كلام الله أعربت نجامينا عن "قلقها العميق عقب تصريحات ماكرون التي تعكس موقف ازدراء تجاه إفريقيا والأفارقة"، داعيا "القادة الفرنسيين أن يتعلموا احترام الشعب الإفريقي".

بدوره، ندد بتصريح ماكرون رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، مؤكدا في بيان أنه "لولا مساهمة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي لربما كانت فرنسا اليوم لا تزال ألمانية".

كما هاجم رئيس الوزراء السنغالي الرئيس الفرنسي بسبب تهمة "الجحود التي وجهها سيد الإليزيه لقادة هذه الدول الإفريقية".

وقال سونكو إن "فرنسا لا تمتلك لا القدرة ولا الشرعية لضمان أمن إفريقيا وسيادتها بل على العكس من ذلك، فقد ساهمت في كثير من الأحيان في زعزعة استقرار بعض الدول الإفريقية مثل ليبيا، مما أدى إلى عواقب وخيمة لوحظت على استقرار وأمن منطقة الساحل".

ويرى خبراء ان هذه الاستراتيجية التي بات يتبعها السؤولون في فرنسا حاليا تهدف إلى صرف انتباه الشعب الفرنسي عن إخفاقات الحكومة الداخلية والخارجية عبر خلق "عدو وهمي" يوحد الصفوف الداخلية حوله.

 

من نفس القسم - تعـاون دولـي -